أمريكا التي يريدها ستيوارت.. ومصر التي يريدها باسم يوسف
صورة أمريكا التي يريدها ستيوارت.. ومصر التي يريدها باسم يوسف
أمريكا تحقق حلم ستيورات:
(الزواج التقليدي له الآن آلاف السنين، بينما "زواج الشواذ" شيء حديث علينا، ولا نملك الكثير من المعلومات عن آثاره، ربما يكون نافعا وربما يكون ضارا، وأنتم تريدون منا أن نتخذ قرارا بشأن هذه الممارسة التي نحن أحدث بها عهدا من الهاتف المحمول والإنترنت؟)
قالها "صامويل أليتو"، القاضي بالمحكمة العليا في أمريكا، معارضا سن قانون يشرع زواج الشواذ.. (زواج الشواذ أحدث من الإنترنت والهاتف المحمول.).. (1):
عرض جون ستيورات كلامه، ثم علّق عليه بالحرف الواحد:
(Yes!! Everyone knows (love) is a new invention!)
(نعم. الكل يعرف أن ((الحب)) اختراع جديد!) (2)
ثم أكّد قائلا:
(Microwave) then (Cell phone) then (Love)!
انفجر المسرح بنفس الضحكات والصيحات التي صرنا نسمعها في نسخته المصرية مساء كل جمعة، وتم إدراج (الشذوذ الجنسي) ضمن قائمة الصور الفطرية (للحب)، وتلقى الجميع ذلك بالقبول!
يعرض بعدها ستيوارت خبرا مفاده أن "روب بورتمان" أصبح النائب الجمهوري الأول الذي يعلن انضمامه لقائمة مؤيدي زواج المثليين، يقول مقدّم الخبر: (وقد أعلن "بورتمان" أن قلبه بدأ يتجه نحو تأييد زواج الشواذ، بعد أن صارحه ابنه منذ عامين: أنه شاذ جنسيا!)
يعقب ستيوارت: (برافو سيد بورتمان. لكن...ألم تدرك أن الإنسان قد يكون شاذا جنسيا إلا بعد أن علمت بالصدفة أنك وزوجتك قد صنعتما واحدا؟!).. "ضحكات وصيحات"
ثم يعرض مقطعا لكلام "بن كارسون"، جراح الأعصاب الأسود، المسيحي المحافظ. هذا الرجل يحمل هذا التصوّر عن زواج الشواذ: (لابد أن يكون هناك معايير للزواج. الله وضع المعايير، ولكن الإنسان يحب التغيير) (3). عرض ستيورات مقطعا من كلامه يقول فيه كارسون: (موقفنا ليس ضد الشواذ، بل ضد كل من يحاول تغيير التعريفات الأصلية لركائز وقيم المجتمع).
طبعا جعله ستيورات أضحوكة، بعد أن أشار إلى سواد لونه ليذكّره باضطهاد السود، ثم بدأ في رسم صورة كاريكاتورية في منتهى الإبداع! لقد رسم الآتي ثم عرضه على جماهيره العريضة: عضو ذكري في صورة مدفع يقذف طائرة تطير في السماء! وطبعا، لم تشمئز الأبصار، وإنما تعالت الضحكات، بل وانقلبت إلى صرخات من فرط الانبهار.
انتصارات متتالية يحققها الشواذ مؤخرا في أمريكا، وتعاطف تتزايد رقعته في الرأي العام، وَصَفَه ستيوارت في سعادة بالغة (بالتحول التاريخي).
الفكرة تنتشر بسرعة غير مسبوقة. في مايو الحالي فقط أُقِر زواج الشواذ في ثلاث ولايات دفعة واحدة! آخرهن مينيسوتا يوم الإثنين الماضي، 13 مايو، حيث صوت للقانون 37 عضوا من مجلسها التشريعي في مقابل 30 رفضوه. نواب البرلمان يؤيدونه واحدا تلو الآخر، بلغوا حتى الآن 54 نائبا! انضمت هيلاري كلينتون لقائمة المؤيدين!
أمريكا تتجه بسرعة الصاروخ نحو الصورة التي يحلم بها ستيوارت..صورة المجتمع الذي لا يستحيي فيه أي أحد من أي شيء، وتتساوى فيه كل الممارسات والأفعال دون تفرقة، فزواج الرجل بالمرأة وزواج الرجل بالرجل وزواج المرأة بالمرأة: كل هذه صور متعددة من صور (الحب)، وقصر الحب على إحدى الصور: تحكّم وتعصّب!
استخدام الإيحاءات الجنسية وإقحام الأعضاء التناسلية في الحديث لم يعد غريبا على الأسماع الأمريكية، ليس في أفلام الحب أو الإباحية، بل في مناقشة القضايا السياسية محل اهتمام الجماهير. فمنذ أيام، تعلّق إحدى المذيعات "سارة إليزابيث كب" على قضية دور المرأة ووجوب إشراكها أكثر في حل مشكلات البلاد، فتقول تلك الموقرة، بحياء العذراء في خدرها: (ليست مشكلة واشنطن أن عدد الأعضاء الذكرية أكبر عن عدد الأرحام. هذا تناول سطحي سخيف!).(4) تعبير راقٍ بلغ من الإبداع منتهاه، تلقاه ملايين الأمريكيين بالقبول!
ليس من دواعي العجب أن تجد هذه الألفاظ والإيحاءت الجنسية مبثوثة بكثافة في كلام جون ستيوارت، إذ هو في تصورهم لا يضر أحدا.. ولكن كان العجب أن أجده يتكلّم عن فضيحة مصلحة الضرائب الأخيرة، فيعرض شعار المصلحة على شاشته ثم يقول بالحرف الواحد: (يا أولاد الزانيات.. يا أولاد العاهرة.. ماذا فعلتم)؟! (5) والجمهور لا يجرؤ على التخلف عن دوره: التصفيق والضحك.. والصراخ.
مصر التي يريدها ستيوارت:
في دفاعه عن باسم يوسف، قال ستيوارت وهو يتحدث عن التهمة الموجهة إلى باسم –بغض النظر عن صحة الدعوى من بطلانها-: (إهانة الرئيس والإسلام؟! هل هذا غير قانوني؟ يبدو أن قواعد حرية التعبير في مصر تختلف عنها هنا في أمريكا).
(Insultingthe president and Islam?! That’s illegal?)!
ما هذا النموذج القبيح، الذي كان منذ عام واحد أبعد ما يكون عن ثقافتنا المصرية، بينما ينتظر اليوم ثلاثون مليونا نسخته المصرية كل أسبوع؟
أشهد أن جون سيوارت يحترم الأقليات ويهاجم من يضطهدهم، وبهذا دافع عنه باسم، ولكنه أخفى عنا هذا الجانب الذي يعلم أنه في منتهى المصادمة للرأي العام المصري، واكتفى بذكر مآثره ومعارضته للصهوينية، في مبالغة واضحة، حتى كدنا نقنع بأن جون قد بذل من أجل فلسطين ما لم يبذله الرنتيسي وصلاح شحادة!
جون كذلك لم يقصّر في دعم باسم منذ تعرف عليه، فقد قال له بعد تكريمه في حفل المائة: (باسم.. لك مني كل الدعم الذي لن ينقطع) (6).
وقال في موضع آخر: (باسم هو بطلي)(7).. وقال مرة مستنكرا تعقّب باسم:
(Our Bassem Youssef?!).
فما سر هذا الرابطة الوثيقة التي جمعت بين باسم وجون، تلك التي لم تنشأ مثلها في يوم من الأيام بين باسم وبلاده، بلاده التي لم يشارك في ثورتها لانتزاع الحرية، بل شاهدها في التلفاز؟
يجيبنا جون، فهو القدوة، وهو الأسوة، وهو الصادق الأمين، يقول: (باسم يقوم بنفس الدور الذي أقوم به تحديدا، ولكن الفارق الوحيد بيني وبينه، أنه يقوم به في بلد ما يزال يختبر حدود الحرية) (
، وفعلا: هذا أصدق وأدق ما قيل في وصف باسم ودوره، وفي وصف الفارق بين أمريكا ومصر، أو قل: بين مصر في وضعها الحالي، ومصر التي يريدها ستيوارت.. وباسم!
ستيورات وجد رجلا يحمل فكرته ويتبنى قضيته، وفوق ذلك يستنسخ طريقته، في بلد إسلامي عربي، فلمَ لا يدعمه إذن حتى يرتقي هذا البلد إلى جنة الحريات، حيث يكفل القانون حق إهانة الإسلام، ورسم الأعضاء التناسلية وسب الناس صراحة بآبائهم وأمهاتهم، فيقابل بضحكات الملايين؟
باسم يوسف كذلك.. صاحب رسالة:
جون ستيوارت يرسم صورة عضو ذكري يقذف في الهواء، ويعرضها على الجماهير. باسم لم يزل على أول الطريق بعد. سيعرض لنا صورة ملابس داخلية، ثم سيُخرج لنا "رجلا"! يرتدي اللباس الداخلي فوق البدلة ليستعرض به أمام الناس، رجالا ونساء، وضحكات السكارى تتوالى بغير انقطاع.
سيحدثنا باسم عن "خازوق" يدخل في المؤخرة، وكيف نتعامل معه، معاشر المصريين والمصريات!
تجلس أنت مساء الجمعة مع زوجتك وابنك ذي العشر سنوات وابنتك ذات الستة عشر ربيعا. تجد (البرنامج) يعرض عليك قصة الشعب المصري تحت حكم محمد مرسي هكذا: امرأة تتحدث من على سريرها، وعلى الجانب الآخر يرد عليها متخصص في العلاقات الجنسية! تحكي (أو يحكي، فهو "رجل"! يمثل دور امرأة "مجروحة") قصة الأشهر الماضية تحت حكم مرسي، مستخدمة كل ما يخطر ببالك من ألفاظ العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة (عجز – طيب جربوا تاني - ..)
كل ما ذكر من ألفاظ وإيحاءات في هذا المشهد في كفة، والتطبيع مع هذا المفهوم "الراقي" في كفة، مفهوم (المستشار الجنسي). إذا كانت المرأة لا تستمتع بعلاقتها الجنسية مع زوجها، فإن هناك "رجلا" خبيرا يشغل هذه الوظيفة (المستشار الجنسي)، يعرض خدماته، ما على المرأة إلا أن تتصل به لتروي له تفاصيل علاقتها مع زوجها، فينصحها ويرشدها إلى السبيل الأقوم لتجويد علاقتها الجنسية معه!
تلقى رب الأسرة هذا المفهوم وهو يكاد يسقط على وجهه من فرط الضحك، وسمح بمروره داخل بيته لتتلقاه زوجته وابنته، وهم جميعا تحت تأثير تلك الجرعة الثقيلة من أقوى مخدّر في السوق المصري قط: السخرية من الرئيس الإخواني! وبعدها صفّق باسم مشيدا بالأداء الاحترافي لهذه الفقرة، فصفّق الجميع خلفه كقطيع الخرفان.
حلقاته أصبحت عبارة عن سلسلة من الإيحاءات الجنسية، لا يكاد يخلو تعليق من ذكر الجنس! هل هذا مجرّد حس فكاهي؟! أبلد الناس عقلا يأبى تقبل ذلك، ويجزم أنها رسالة واضحة وقضية يتبناها باسم، ولكن بالمزاح!
في حواره الأخير مع ستيوارت يقول باسم: (أنا أعلم أن في شتى أنحاء العالم قد يُتعقّب النشطاء الصحافيون.. لكن أن يُتتبع من يُلقي النكات؟!)(9)
هل فهمت النظرية؟ مهما بلغت المعاني التي سأبثها وأمررها، ومهما بلغ تجاوزي، فإني في النهاية أمزح، فكيف تحاسبني؟
في مقدمة البرنامج، يقول: (هذا برنامج للكبار فقط.. أي حد يتكسف يقوم دلوقتي). فإن واجهته وقلت: أنت بذلك تعترف بأنك تقدم ما يخدش الحياء، أجابك: (هذا هزل ومبالغة وفكاهة). فإن قلت: (شاهدت البرنامج فوجدت ما يخدش حياء زوجتي وأولادي) قال: (قد حذرتك من البداية وقلت إنه للكبار فقط، لكنك سمحت لهم بالجلوس!)
وكما تبنى ستيورات باسم يوسف وقدّمه للعالم، فباسم يقوم بنفس الدور مع حاملي نفس الرسالة: (رسالة كسر "التابوهات" وهتك أستار الحياء). استضاف في برنامجه فريق (مشروع ليلى) اللبناني، ومطربه الشاذ جنسيا (حامد سنو). حين سئل باسم: (كيف تستضيف المطرب العربي الذي كان أول من يستعلن بشذوذه دون حياء؟) قال باسم: (لم أكن أعرف أنه شاذ..)!
تجاوز هذه الكذبة الرخيصة، وتقبّل فكرة أن فريق إعداد باسم الذي يتتبع عورات خلق الله كلهم غابت عنه حقيقة حامد سنو، مع أن سنو يعلنها بنفسه مفاخرا في كل موطن ينزله! في إحدى حفلاته، رفع سنو علم الشواذ وظل يتراقص ويلوّح به فوق خشبة المسرح، والجماهير تصيح من النشوى والانبهار! "وليتجرّأ رجل منكم على انتقادي"!
لكن من جديد، الأمر أبعد بكثير من مجرد "شذوذ" سنو! إنها الرسالة التي يحمل فريق (مشروع ليلى) على عاتقه بثها في العالم، تعرّف عليها معي من لقاء أعضاء فريقه مع شبكة سي إن إن.
تقول "أميّة ملاعب"، عازفة الكيبورد: (إن المواضيع التي نناقشها ليست غريبة أو متطرفة من وجهة نظرنا، فهي مواقف واقعية يعيشها كل منا، ولكن البعض يرى فيها جرأة وصراحة) (10)..
لم أستوعب.. هل من تفصيل أكثر لرسالتكم، أيتها الفاضلة الجريئة؟
يجيبك "حامد سنو": (الصراحة وعدم فرض رقابة في التعبير عن نظرتنا للعالم أزعج البعض، خاصة فيما يتعلق بأسلوبنا الصريح في طرح المواضيع الجنسية. فنحن لا نستهدف إغاظة الناس، ولكننا بذات الوقت لن نتراجع عن طريقنا) (11). وضحت؟ فإن لم يستضفهم باسم يوسف، فمن؟ قناة الرحمة؟!
هي نفس الرسالة إذن، تقدّم بصور مختلفة، يرى أصحابها أنفسهم في منتهى الجرأة والشجاعة.. رسالة باسم هي بعينها رسالة "مشروع ليلى" وهي بعينها رسالة "إيناس الدغيدي".. إنها: نزع الحياء وكسر كل القيود الأخلاقية، فلا يبقى في الدنيا شيء اسمه (العيب)، فضلا عن (الحرام).. دع عنك المشاهد الجنسية في أفلام الدغيدي، فأي مراهق يستطيع الحصول على أضعافها اليوم بضغطة زر.. إنما تأمّل كيف ترى هي في نشر هذه القضايا وتصويرها وتقديمها للناس رسالة في حد ذاتها! هي لا تريد أن تثير غرائز الشباب بقدر ما تريد أن تكسر هذه "الأصنام" الأخلاقية، وهي تتفاخر وتصرّح بذلك في كل لقاءاتها تقريبا، ويخلع عليها الإعلام لقب (الجريئة – الشجاعة)، تماما كما تصف مجلة تايم باسم يوسف قائلة: (يعرض حياته للخطر من أجل بلاده).
عدوّ باسم الأول وجهاده الأكبر ليس ضد التيار الإسلامي ولا حتى فكرة "التديّن".. بل هو ضد فكرة أوسع وأخف من ذلك.. إنها فكرة "المحافظة"! وكل شخص ينجح باسم في تحويله من "محافظ" إلى "متحرر": فهو تتويج لجهوده.
في حواره مع قناة العربية، تسأله المذيعة: (البعض يستنكر استخدامك للألفاظ الخارجة في برنامج يُعرض على الجماهير، والشعب المصري شعب محافظ).. فيقاطعها في حدة قائلا: (هذا خطأ. هذا تعميم. الشعب المصري 90 مليون مواطن، لا أستطيع أن أقول إن فلانا مثل فلان.. لا يقال: الشعب كله "محافظ"!). يا الله! كيف لو تجرّأت المسكينة وقالت: "الشعب المصري متدين بطبعه"؟!
هل تذكر حين وجِه عمرو حمزاوي وقيل له: (أنت تدعونا إلى الليبرالية الأمريكية، المتحررة من كل قيود)، فكان جوابه منكرا: (أبدا. لم أنص قط على النموذج الليبرالي الأمريكي، وإنما الليبرالية التي أدعو إليها هي تلك المقيدة بضوابط العرف المصري وعاداتنا الشرقية).. هل تذكر؟ لا تحزن.. ها هو باسم يوسف يتجاوز ذلك كله بمراحل، فهو لا يدعوك إلى النموذج الأمريكي بعمومه، بل إلى النصف الأكثر تطرفا منه في تحرره، إذ هو يصف المحافظين في أمريكا (النصف الآخر) بالتالي: 1-أنهم يتاجرون بالدين! 2-عنصريون. 3- أغبياء ضيقو الأفق (12)
تخيل رجلا يرى نصف المجتمع الأمريكي "غبيا" "متخلفا" لأنه لم يبلغ درجة "التحرر" التي ينشدها! فماذا تكون نظرته للمجتمع المصري إذن؟ وكم من جهد سيبذله "ليصلحه"؟!
حمزاوي كان نموذجا جديدا لتسويق التحررية المتطرفة، وذلك لحسن بيانه وجزالة لغته وذكائه الذي أشهد به، لكنه في النهاية بشر، كان لابد أن يتلعثم كل شهر مرة أو مرتين. مرة يقول: (أنا مع الزواج المدني)، فتقوم الدنيا عليه ولا تقعد، فيعتذر ويقول: (سهوت).. (ذهلت).. (سرحت).. (لم أكن أقصد). أما باسم يوسف، فهو رجل ساخر، فليدعُنا إلى ما يشاء، فهل يُحاسب ساخر، وهل يساءل هازل؟
بل إن هناك مستوى أخطر من ذلك في طرح باسم، وهو ترسيخ هذه الفكرة: عامل الملتحي ستجده أخبث من الصهاينة، وعامل فتاة الليل ستجدها -على معصيتها- أدرى الناس بمقاصد الشريعة.. هذه قاعدة لا تتخلّف!
إلى أين نتجه إذن؟
إلى أن تتشرب قلوبنا وتُحشى عقولنا بهذه الفكرة: أنه ليس هناك محظور في المجتمع. كن شجاعا! واكسر كل "التابوهات". عليك أن تتقبل الجميع: الملحد والشاذ والعاهرة، كلهم يُحترم رأيهم، أما "الرجعي" "المحافظ" الذي يقول: (لابد للحرية من قيود)، فهذا لا يُحترم رأيه، بل يباح لك جعله أضحوكة المجالس.
هذه بكل وضوح فكرة إلحادية بجدارة، منسلخة عن الدين ومناقضة لأصل العبودية لرب هذا الكون. على أن الذي يتابع تطور تطبيقاتها، يجد هذه الحقيقة بالغة الخطورة: وهي أن تعريف الصواب والخطأ لن يستند إلى أية مرجعية، لا الدينية، ولا عرفية أو ثقافية، بل ولا حتى علمية. إنما سيكون المرجع في الأمر كله هو المبادرة بخطوة واحدة: (كسر التابو). كل ما هو مستقبح مستنكر من قِبَل المجتمع وتريد تمريره فما عليك إلا أن تتشجّع وتتحمل الضربة الأولى من النقد، حين تجاهر به وتقرع به أسماع الناس في الشارع، وتستمر في نشره حتى تألفه الآذان، ثم تستيغه العيون، ثم يقبله القلب، ثم يكفله القانون.
حدث هذا مع قضية زواج الشواذ، حين كسر ستة من الشواذ (ثلاثة أزواج) هذا التابو في ديسمبر 1990، وبعد عشرين عاما ها نحن نجني الثمار اليانعة، لدرجة أن أوباما نفسه يخطب ودهم ويعلنها: (أعتقد أن من حق المثليين أن يتمكنوا من الزواج) (13)
هل تريد أن نتابع اليوم عملية ستتطور أمام أعيننا؟ جيد.. ما رأيك في أقبح الممارسات على الإطلاق: (معاشرة البشر للحيوانات)؟
هذه الممارسة مازالت مجرّمة في أمريكا. لكن تأمّل ما قالته (أندريا بيتز)، الباحثة في هذا المجال: (ظاهرة المعاشرة بين البشر والحيوانات بدأت بالفعل تفقد "تابوهيتها"، فقد صارت تطرق الأسماع وتناقش في السجالات العلمية بكثافة، وعلى العلماء المشتغلين بمجالات (سلوك الحيوان) و(الأنثروزولوجي: التفاعل بين الإنسان والحيوان) و(السيكولوجيا) و(الصحة النفسية) و(الاجتماع) و(القانون).. على كل هؤلاء أن يبدأوا في دراسة مفتوحة وأكثر عمقا وتفصيلا لهذه الممارسة..) (14)
رائع! لقد صارت تطرق الأسماع، وتفقد "تابوهيتها"! صارت محل جدال طبي وفلسفي بالفعل، وستنشأ فيها المناظرات بين علماء (سلوك الحيوان)! فقد نكتشف أنها قد تكون رغبة الحيوان، وقريبا –على سبيل القطع- ستروج هذه الفكرة: أن من يعاشر البهائم قد خُلِق يحمل هذه الغريزة، فلماذا تلومه على أمر لا دخل له فيه، ولماذا لا تتقبله أنت كما يتقبلك هو؟
إنها البهيمية والحيوانية في أحط صورها، بل (تحت البهيمية)، فهذه ممارسات سلّم الله منها البهائم نفسها، بينما تتجه البشرية في أوج حضارتها إلى طَرْقها بل ونشرها في عالم الحيوان! ومن يدري، فإن كان في عمر جون ستيوارت بقية، فسوف يدرج العلاقة بين الإنسان والحيوان في قائمة صور "الحب"، ويسلخ من يعارضها سلخا ويجعله أضحوكة، وسيصفّق من بالمسرح!
كذلك في المجتمع الأمريكي المتحضّر، فإن هناك جماعة اليوم تطلق على نفسها:
NAMBLA: North American Man/Boy Love Association
هذه الجماعة تجاهد اليوم ليتم إدراج ممارستها (معاشرة الغلمان) وأفرادها ضمن الشواذ، فإذا تم: حفظ القانون حقهم كما حفظ حقوق الشواذ!
طبعا لن يناقش مجلس الشعب المصري القادم قانون زواج الشواذ! لكن عما قريب جدا لن يكون هناك "محظور" على الإطلاق! سيكون المحظور الوحيد هو أن تقول: "هذا محظور".
هل تعلم أن ذاك الأستاذ المسيحي "بن كارسون" حين هوجم بضراوة لتصريحاته ضد زواج الشواذ اضطر لأن يخرج ويعتذر على شاشة سي إن إن ويقول: (ديني يأمرني بحب الناس، فأنا أحب الشواذ! بل إنني لا أرى مانعا في أن يمارس كل أحد الشذوذ مع غيره من بني جنسه!) ففاجأه المذيع: (فليتزوجوا إذن!) فأجاب: (لا. الزواج لا!)
أنا وإن كنت لا أتهم باسم يوسف بالعمالة لأمريكا، إلا أنني أقطع أنه ممن تحرص الدوائر الأمريكية على تبنيه وتلميعه، ودعمه بكل قوة، فهو مغنم ما بعده من مغنم، فمشروعه الثقافي هو إحلال الثقافة الأمريكية محل ثقافة بلادنا الإسلامية العربية، الذي يعقبه تقبلنا الكامل لمواقف أمريكا السياسية.. بل والعسكرية.
مشكلة باسم ليست مع الإخوان ولا الرئيس في الأساس، وأرجو ممن يغار على الرئيس أكثر من غيرته على هويته وثوابت دينه ألا يسعى في إقحام غيره في معركته، فغيره هذا يرى إفسادا أعرض بمراحل، وحصونا مهددة أولى بالدفاع عنها والأخذ على يد هادميها من مجرّد انتقاص فصيل من الشعب أو حتى رئيس منتخب. إنها مشكلة وخلاف مع أمة بأسرها وشعب بكامله، تُسحق ثقافته سحقا حال غفلته، وضحكه!
إن الحرية التي بُذلت من أجلها دماء الشهداء لم تكن تلك التي ينشدها ستيوارت وباسم، ولم تقم ثورة يناير ضد "التضييق على الإباحية"، بل كانت أبوابها مفتوحة على مصراعيها في سينما عهد مبارك، وإنما قامت ليسترد الشعب كرامته، ويرفع رأسه عاليا، فأبى باسم إلا تركيعه للغرب من جديد، وسحب ملايين المصريين إلى ذاك الفردوس الأرضي: أمريكا المتحررة من قيود "المحافظين"!
---------------
(1)
Supreme Court Transcripts- March 26 2013 – page 54,55
(2)
The Daily Show – March 27 2013.
(3)لقاء بتاريخ 29 مارس 2013 مع سي إن إن.
(4)
The Cycle – MSNBC – April 24,2013
(5)
The Daily Show – May 13, 2013.
(6)
The Daily Show – April 24, 2013.
(7)تزكية ستيوارت لباسم يوسف إلى مجلة (تايم)
(
المصدر السابق.
(9)
The Daily Show – April 24, 2013.
(10)لقاء مع سي إن إن العربية بتاريخ 25 إبريل 2013.
(11)المصدر السابق.
(12)مقال (أن تكون أكثر يمينا) – بوابة الشروق.
(13) في لقائه مع قناة إيه بي سي بتاريخ 9 مايو 2012.
(14)
Bestiality and Zoophilia: Sexual Relations with Animals
أقرأ المزيد على رابطة النهضة والإصلاح : رابطة النهضة والإصلاح. أمريكا التي يريدها ستيوارت.. ومصر التي يريدها باسم يوسف
http://www.nahdaislah.com